أرضها ليست كأرض الدنيا، بل إنها لبنة من ذهب ولبنة من فضة، وملاطها الأذفر، وحصباؤها اللؤلؤ والياقوت، وتربتها الزعفران، داخلُها ينعمُ ولا ييأس، يخلد فيها ولا يموت، لا تبلى ثيابه ولا يفنى شبابه. قصورها غرف بعضها فوق بعض. جوها غاية في الاعتدال فلا هي حارة ولا باردة (لا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْساً وَلا زَمْهَرِيراً) الانسان: الآية13.
للمؤمن فيها قصر عظيم، وله خُـزَّان وعبيد، والقصر دُرة عظيمة مجوفة، تستقبله جوهرة خضراء كل جوهرة تفضي إلى جوهرة على غير لون الأخرى، في كل جوهرة سرر وأزواج ووصائف، أدناهن حوراء عيناء، عليها سبعون حُلة، يُرى مخُّ ساقها من وراء حللها.
أشجارها عظيمة متشابكة وارفة الظل، وبها شجرة ينبع من أصلها عينان، من شرب من إحداهما جرت في وجهه نضرة النعيم، ومن توضأ من الأخرى لم يشعث شعره أبدا. جذوع نخلها من زمرد خضر، وكربها ذهب أحمر، وسعفها كسوة لأهل الجنة. ظلالها وارفة وثمارها كثيرة في متناول اليد (وَظِلٍّ مَمْدُودٍ ، وَمَاءٍ مَسْكُوبٍ ، وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ ، لا مَقْطُوعَةٍ وَلا مَمْنُوعَةٍ) الواقعة: 30 - 33
أنهارها قال عنها الله تعالي: (مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفّىً وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا مَاءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ) محمد: 15
كما أن فيها نهرا خاصا بالنبي صلى الله عليه وسلم هو نهر الكوثر، من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبدا، حافتاه من ذهب ومجراه على الدر والياقوت، تربته أطيب من المسك، وماؤه أحلى من العسل وأبيض من الثلج.
يُقدم الطعام فيها على صحاف من ذهب، والشراب في أكواب وأباريق من فضة، من يأكل فيها يجد لذة عظيمة، ثم يكون لذلك ريح المسك الأذفر، وأهلها لا يتبولون ولا يتغوطون ولا يمتخطون.
اللباس فيها من حرير أخضر، أما الحلي فمن الذهب واللؤلؤ.
فيها خيل من ياقوت، ونوق بيض كأنهن الياقوت، لا تروث ولا تبول، ولها أجنحة، خطوها مد البصر، يركبها الراكب فتطير به حيث شاء.
للرجال المؤمنين فيها زوجات من الحور العين، لا يرين غير أزواجهن، ولا يطمحن إلى سواهم.
والنساء المؤمنات يتمتعن فيها ويسعدن كما يتمتع الرجال، كلٌّ على قدر إيمانه، ولهن من الخدم والعبيد ما شاء الله.
وكل ما فيها من مُتع وثمار لا يشبه ما في الدنيا إلا في الصورة والجنس، وفيما عدا ذلك من طعم ولذة فليس بمقدور أحد أن يتخيل مدى حسنه. وإنما تذكر أسماء الأشياء التي في الدنيا لتقريب صورة بعض النعيم الموجود هنالك إلى أذهاننا.